الليل الشرعي
يبدأ الليل الشرعي عند الغياب الكامل لقرص الشمس ؛ لقول الله تعالى : «ثم أتموا الصيام إلى الليل» ، أي إلى بداية الليل ، وينتهي عند الإطلالات الأولى للفجر الصادق ؛ لقول الله تعالى عن ليلة القدر : «سلام هي حتى مطلع الفجر» ، وإذا تمعّنا أيضاً مفهوم ليلة الصيام في قول الله تعالى : «أُحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم» إلى قول الله تعالى : «وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيطُ الأبيضُ من الخيط الأسود من الفجر» ، علمنا أن الليل الشرعي يبدأ من مغيب الشمس إلى طلوع الفجر الصادق.
وكلمة الليل إن وردت في نصوص الكتاب والسنة فإنما يقصد بها الليل الشرعي ، وهو فترة زمنية تقاس بالساعات ، فإذا غربت الشمس على الساعة السادسة مثلاً وكان طلوع الفجر على الساعة الرابعة ، فإن طول الليل الشرعي يساوي عشر ساعات ، ونهاية ثلث الليل الشرعي الأول تكون على الساعة التاسعة والثلث ، وينتهي نصف الليل الشرعي على الساعة الحادية عشرة ، ويبدأ ثلث الليل الآخر على الساعة الثانية عشرة وأربعين دقيقة.
من تعريف الليل الشرعي نتبين أن غياب الشمس الحقيقي ، وظهور علامة الفجر الصادق ، شرطان لازمان لوجود ليل شرعي حقيقي ، فإذا لم تظهر علامة الفجر ، أو لم تغب الشمس لعدة أيام ، وقدّرنا وقت الغروب أو وقت الفجر ، فالليل الشرعي في مثل هذه الأيام هو ليل شرعي مقدر.
يبدأ الليل الشرعي الحقيقي بعد غياب كامل قرص الشمس ، وتكون السماء آنذاك مضاءة إضاءة تكفي للقراءة دون استعانة بضوء آخر ، ثم تتخافت إضاءة السماء تدريجياً حتى يحل الظلام الدامس عند تجاوز مركز الشمس الدرجة 18 تحت الأفق الغربي ، ويستمر الظلام الدامس حتى تصل الشمس إلى الدرجة 18 تحت الأفق الشرقي التي يبزغ عندها الفجر وينتهي ببزوغه الليل الشرعي ؛ هذا يعني أن الشمس إذا لم يصل انخفاضها إلى الدرجة 18 تحت الأفق الغربي ، بل بدأت بالصعود قبل ذلك باتجاه الأفق الشرقي ، هذا يعني أننا لن نتبين في مثل هذه الحالة علامة الفجر ، وبالتالي لا يمكننا تحديد نهاية الليل الشرعي.
انخفاض الشمس إلى ما تحت الدرجة 18 تحت الأفق الغربي هو الحالة الطبيعية طوال العام في المناطق الواقعة بين خطي العرض 48.5 درجة جنوباً و 48.5 درجة شمالاً ، أما في بقية البلدان ، وبالخصوص في البلدان الواقعة على خطوط العرض العليا ، فقد تمر عليها عدة أسابيع أو حتى عدة أشهر ، حسب موقعها الجغرافي ، لا تصل الشمس فيها إلى الدرجة 18 تحت الأفق الغربي ، وبالتالي لن تظهر في هذه الفترة علامة الفجر التي هي علامة نهاية الليل الشرعي.
البلدان الواقعة فوق خط العرض 65.5 درجة تعاني من عدم غياب الشمس أو عدم شروقها من عدة أيام إلى عدة أسابيع وشهور ، حسب موقعها الجغرافي ، وبالتالي لن نستطيع تحديد بداية الليل الشرعي أو نهايته.
نتبين مما سبق أن البلدان الواقعة على خطوط عرض عليا فيها ليل شرعي حقيقي ، كما أن فيها ليلاً شرعياً مقتطعاً ، مجهول النهاية أو مجهول البداية، فهل لهذه الليالي المقتطعة جزئياً أو كلياً حكم شرعي يتعلق بوقت الصلاة ؛ إذ أن هناك ثلاثة أوقات للصلاة مرتبطة بالليل الشرعي أو أن الليل الشرعي مرتبط بها؟
ولكن يمكنني القول هنا بأنه إذا لم تظهر علامة الفجر فيمكن تحديد (تقدير) نهاية الليل الشرعي بوقت منتصف الليل الفلكي ؛ إذ عندها في مثل هذه الحالات يبدأ النور بالازدياد ، وبالتالي فهي تشترك مع علامة الفجر بهذه الظاهرة ، وإن لم يسبقها ظلام دامس ، كما أنه يمكننا القول هنا أن وقت منتصف الليل الفلكي يمكنه بهذا المفهوم أن يكون أيضاً علامة للفجر إن لم نتبين علامته لسبب عدم تلاشي النور قبله في أمثال هذه الليالي، وبالاعتماد على هذا المفهوم انبثقت طريقة تقدير الفجر والعشاء المسماة بنصف الليل ، ولها كما بينا أساس علمي قوي ، كما أن تقدير الليل الشرعي بناء على هذا المفهوم يضمن انتظام الانتقال بين ليل شرعي حقيقي وآخر مقدر أو بالعكس.
إلا أن تقدير الفجر ، إذا لزم التقدير ، بناء على المفهوم السابق فقط سيوقع الأمة في المشقة والحرج الشديدين.
هذه مسألة ، كما رأينا ، مازالت تحتاج إلى مزيد دراسة وبحث وتأصيل ضمن منهج علمي وشرعي مقبول ؛ ليتم بناء عليها رفع الحرج عن الأمة.
محمد سليم البغا