الدرجات الفلكية

لقد وصف القرآن الكريم حركة الشمس اليومية ارتفاعاً وانخفاضاً وربط جميع أوقات الصلاة بها ؛ فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم:

«أقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا»

فحركة الشمس الموصوفة في الآية الكريمة تتكرر في كل بقاع الأرض بلا استثناء كل أربع وعشرين ساعة ، فهي تحتاج إلى اثنتي عشرة ساعة تامة كاملة لتهبط من درجة الذروة إلى درجة الحضيض ، تتوزع خلالها الأربع صلوات من الظهر إلى العشاء، ثم يحين بعدها وقت صلاة الفجر بعد أن تبدأ الشمس رحلة عودتها التي تستغرق اثنتي عشرة ساعة أخرى لتصل إلى الذروة من جديد ، هذه الظاهرة الفلكية المعلومة المشهودة قد يغيب إدراكها عياناً في الأيام التي لا يتخللها شروق ، إلا أن حقيقتها وديدن حركة الشمس فيها لايتغير ، ففي الآية الكريمة دليل قرآني عام على وجوب الصلوات الخمس كل أربع وعشرين ساعة.

ولقد اعتمد علماء الفلك الدرجات الهندسية المعروفة في علم المثلثات لتحديد ارتفاع أو انخفاض الشمس عن أفق الراصد؛ لارتباط الظواهر الفلكية الناتجة عن حركة الشمس بهما ، فقياس هذه الظواهر بالدرجات أمر لا غنى عنه ، كأن نقول أن ظاهرة غياب الشفق الأحمر مثلاً تتكرر كل يوم وفي كل مكان عندما يصل انخفاض الشمس إلى الدرجة 17 تحت الأفق الغربي ، فربط حدوث هذه الظاهرة بموقع الشمس بالدرجات هو الطريق الوحيدة لحساب وقتها المتغير في كل يوم.

وقد يتبادر إلى الأذهان من الوهلة الأولى أن هناك فترة زمنية محدودة أو تقريبية تستغرقها الشمس للانتقال من درجة إلى أخرى ، إلا أن الدراسة الفلكية المستفيضة لحركة الشمس تؤكد أن هذه الفترة تختلف باختلاف المكان، كما أنها تختلف أيضاً في المكان الواحد باختلاف فصول السنة ، وفي اليوم الواحد باختلاف ساعاته ، وكقاعدة عامة يمكننا القول:

  • كلما ابتعدنا عن خط الاستواء كلما طالت الفترة الزمنية التي تستغرقها الشمس عند الانتقال من درجة إلى أخرى.
  • تبدأ هذه الفترة بالزيادة تدريجياً في اليوم الواحد كلما اقتربت الشمس من منتصف الليل أو منتصف النهار الفلكي ، وتكون أطول ما يمكن ليلاً في يوم الانقلاب الصيفي ، ونهاراً في يوم الانقلاب الشتوي.

الجدولان التاليان لمدينتي آخن الألمانية واستوكهولم السويدية يبينان الوقت الذي تحتاجه الشمس للانتقال من درجة إلى أخرى يوم الانقلاب الصيفي :

تأثير موقع المدينة الجغرافي على مدى ارتفاع وانخفاض الشمس عن أفقها

يتأثر ارتفاع الشمس وانخفاضها عن أفق مدينة ما بعاملين : عامل عام وهو درجة ميلان محور الأرض ، وعامل خاص وهو درجة العرض التي تقع عليها المدينة ، ويمكننا من خلال المعادلتين التاليتين حساب أقصى ارتفاع أو أدنى انخفاض تصله الشمس بالدرجات في أي يوم من أيام العام إذا توفرت لدينا درجة ميلان محور الأرض (يمكن حسابها بدقة عالية) في هذا اليوم :

يمكننا وبكل سهولة أن نستنتج من المعادلتين السابقتين أن مجموع الدرجة القصوى التي تصلها الشمس في النهار مع درجة أدنى انخفاض لها في الليل هي قيمة ثابتة لكل يوم وطوال العام في المدينة الواحدة ، فنخرج من ذلك أن لكل مكان على سطح الكرة الأرضية عدداً ثابتاً من الدرجات تقطعه الشمس كل يوم صعوداً ونزولاً ، لا يتغير على مدار العام ولا يشاركه فيه إلا الأماكن الواقعة تماماً على خط عرضه ، ومن المفيد ذكره أيضاً أن ارتفاع الشمس إذا زاد بمقدار معين في نهار صيفي فهذا يعني نقصان انخفاضها بنفس المقدار في ليله ، فيبقى بذلك مجموع درجات الارتفاع والانخفاض ثابتاً على مدار العام.

 لحساب عدد الدرجات التي تقطعها الشمس كل يوم في مكان ما نستخدم المعادلة التالية:

من خلال الجدول التالي نلاحظ أن مجموع الدرجات التي تقطعها الشمس في اليوم الواحد يقل كلم ابتعدنا عن خط الاستواء:

بناءً على ما سبق يمكننا تعريف معدل الزمن الذي تستغرقه الشمس للانتقال من درجة إلى أخرى لكل مدينة من المدن بأنه خارج قسمة عدد دقائق اليوم (1440) على مجموع الدرجات التي تقطعها الشمس كل يوم في هذه المدينة.

الجدول التالي يوضح معدل الزمن للمدن التالية:

خلاصة القول:

  • المفهوم الشائع المتداول بأن الشمس تحتاج في كل مكان على سطح الكرة الأرضية إلى أربع دقائق فقط للانتقال من درجة إلى أخرى لا يصمد أمام الحسابات الحقيقية لحركة الشمس.
  • الاختلاف الواضح في الفترات الزمنية التي تستغرقها الشمس في نفس المدينة للانتقال من درجة إلى أخرى ، سواء كان ذلك في اليوم الواحد أو على اختلاف فصول العام ؛ يجعلنا نؤكد على ضرورة الاعتماد على الدرجات لا على الزمن في تقدير وقت الصلاة عند الحاجة إلى التقدير ، فحسابات التقدير ينبغي أن تكون من جنس حسابات الأوقات الحقيقية ؛ لنخرج بجداول منسجمة مع حركة الشمس الطبيعية.
  • نستنتج أيضاً أن لكل مدينة من المدن طبيعتها الخاصة بها من حيث حركة الشمس فيها ارتفاعاً وانخفاضاً ؛ الأمر الذي يحملنا على التأكيد بأن تقدير وقت من أوقات الصلاة عند الحاجة إلى التقدير يجب أن يعتمد على ديدن حركة الشمس في ذات المدينة ؛ فلا تقدر أوقات الصلاة فيها قياساً على غيرها من المدن.
  • من خلال العرض السابق نستنتج أن الوقت المستغرق لحدوث كثير من الظواهر الفلكية يختلف باختلاف المكان واختلاف فصول العام؛ فظاهرة غياب كامل قرص الشمس مثلاً بعد غياب حافتها السفلى وكذلك ظاهرة الزوال الكامل لقرص الشمس في منتصف النهار تطول كلما ابتعدنا عن خط الاستواء ، كما أن الابتعاد عن خط الاستواء يزيد من تأثير اتساع المدينة على مواقيت الصلاة ، وقس على ذلك بقية الظواهر الفلكية.
  • يمكننا الاعتماد على المعدل الزمني (أو المعدل الزمني التراكمي) الذي تحتاجه الشمس للانتقال من درجة إلى أخرى كمؤشر محلي لبيان وقت بداية الاضطراب (المشقة) في تقدير أوقات الصلاة عند الحاجة إلى التقدير.

محمد سليم البغا